جال بي الخاطر يوما عن السبب الذي جعل العالم من
حولنا يتسلح بوسائل القوّة، ويمتطي أسباب التمكين، وخُلِّفنا نحن وراء
الناس، يحُال بيننا وبين عزّنا، وبينما يوجد في العالم أكثر من 450 مفاعلا
نوويّا، قد جُعلت بلادنا العربية حِجرا عنها محجورا، بل حتى علومها قد
صارت حرما محظورا؟! خشية أن نبني مفاعلا، فنتحوّل إلى فاعلين، لا مفعولين،
فنفرض هيبتنا على العالم، ونردع أعداءنا عن الطمع في انتزاع ما بأيدينا،
ونستعيد حقوقنا، ونرد من يهددنا على عقبه خاسئا،
فلم يستطع الخاطر أن يدفع عن نفسه الجواب؛ أنّ الأنظمة السياسية هي المسؤولة!
فقلت
لخاطري: حسناً، ذلك لا ريب فيه، لكن ما بال الشعوب من غيرنا، قد ثارت على
أنظمتها المنحرفة، وبقينا نحن في أغلال الرق إلى يومنا هذا؟!
فحينئذ
خيل إليّ أن أمَّتنا على هيئة رجل قوي البنية مكتمل الخلق عنفواني، غير
أنه مقيّد على كرسي ذي أغلال، يداه ورجلاه، قد أحكمت أغلاله، وإذا بآخر
قائم على رأسه، كلما أراد التخلّص من أغلاله، يحقنه ذلك القائم عليه
بحقنه،فردته خاملا.
وعلمت أن ذلك الكرسي؛ هو الأنظمة السياسية التي
صنعها أعداء الأمة، خاضعةً لغير شريعة الله تعالى، سواء هيئة الطاغوت
العالمي - هيئة الأمم - بشرعته الكافرة، والدول الخاضعة له بشرائعها مثله،
صُنعت لتبقى الأمّة حبيسة لها، والأغلال هي سياط الرق التي ضُربت على
أمّتنا،
سياطٌ مسلّطة على عقولها بإرهاب الدولة، تملأ قلوب الشعوب
بالرعب من "ولي الأمر" وزبانيته، وسياط مسلطة على أجسادها بالعذاب المهين،
إنْ هي حاولت النهوض.
وأما القائم عليها يُخدّرها، كلّما همت بنهدة
أقعدها عن قيامها؛ فهم علماء السوء، وحقنهم هي إلباسهم الباطل لباس الحق،
وتزيينهم للأمّة ما هي فيه من الذلّ والهوان، على أنه الحكمة المهدية،
والمصالح الشرعية، وأنّ إنقيادهم لحيف السلطة وإفسادها، وصدها عن سبيل
الله وإبعادها، طاعة لرب العالمين، وعمل بأحكام الدين!
فعاد الخاطر
تارة أخرى قائلا: مهلا يا هذا، فقل لي بربك؛ لماذا غيرنا من الشعوب لم يكن
فيهم مثل ما فينا من هؤلاء المخدِّرة المخذلِّة؟! أو كانوا لكنهم سقطوا مذ
وقفوا في صف الظلمة الخونة، وداستهم الأقدام وهي في طريقها إلى الحرية؟!
فحينئذ
مسّني طائف من الشيطان الرجيم، أطلّ برأسه بين عقلي وخواطري فألقى؛ هو
الدين نفسه، دينكم هو المسؤول، ألا تراهم لمّا نبذوا دينهم وراء ظهورهم
عزُّوا، فلم يبقَ بينهم مكانٌ لأولئك المخدِّرين بإسم الدين... وانخنس.
فقلت:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعليّ يا ابن الخطيئة الكبرى؟! إذهب إلى
أفراخك من زنادقة العلمانيين والليبراليين العرب، ألم يكن ديننا هو سبب
مجدنا دهورا، فلمّا نُحي عن الحكم، والمحاكم، وعن صياغة الهوية، وتوجيه
الثقافة، والهيمنة على السلطة، صرنا إلى ما صرنا إليه؟!
فعاد
الخاطر كرة ثالثة؛ إنّ هذه الشعوب قد استمرأت الرقّ، حتى غدت تقاتل دونه،
ألا تراهم يموت طاغوتهم الذي لم يعلمهم شيئا سوى وظائف العبودية له،
فيبكون على أيامه كما تبكي الثكلى على وحيدها، ألا تراهم صنعت لهم أنظمتهم
أصنام الوطنيّة؛ فخروا لها سجّدا، وسبَّحوا بحمدها، ووقفوا لأعلامها
خاشعين، وهم مع ذلك يرون الحاكم يسرق هذا الصنم، ويخونه، ويعبث بعرضه،
ويبول عليه، وهم يصفّقون له ولصمنه! {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}.
فقلت
لخاطري؛ صدقتَ، والحلّ إنما يكمن في تفجير نووي يوقظهم من سباتهم، يحدث
صعقة هائلة، فيكون أوّل من يُصعق بها، فيُصرع، الملبّسون المخذّلون، فإذا
سقطوا، نهضت الأمة فحطّمت أغلالها، وعلت عن كرسي الذلّ، الذي أُقعدت فيه،
إلى عرش النصر المظفّر، والمجد المؤثل، فاستوت عليه.
وهاهو التفجير
النووي قد استفتح القرن فانطلق، فانبعث من بين غبار زلزاله المدمر؛ أفواجُ
المجاهدين، فانتثرثت دماؤهم ترسم طريق الخلاص، بريشة الاستشهاد، وانتشرت
روحهم خلل الأمة، تصيح بها صيحة الإفاقة، فأحيت خلائق لا تحصى في مضمار
الجهاد حثيثا تجري، وبدأت رياح التغيير تسري، وبدا نقع غبارها يلوح في
الأفق، من جاكرتا إلى نواكشوط عبر أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال،
وبين هذه المحطات المباركة، وفيها؛ يجُند الرجال والنساء لمشروع التغيير
العالمي كلّ يوم، وتسقط في كلّ ساعة حلقة من حلقات الرقّ، وتلتحم العزائم،
وتهبّ بتباشير النصر النسائم.
وهذه الروح لن يردّها بإذن الله شيء حتى تصير إعصارا، يقلب عالي أنظمة الطواغيت سافلها، ويرمي قِوى الطغيان العالمي فيقطع حبائلها...
فالحقْ بركب النصر ويحك إنهم | | بلغوا العلا والمجد فيهم سائرُ
|
إنْ كنتَ فيهم أو كان غيرُك راكبا | | لا فرقَ، يمضي الركبُ، أنت الخاسرُ
|